سورة إبراهيم - تفسير التفسير الوسيط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (إبراهيم)


        


{الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1) اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ (2) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (3) وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4)} [إبراهيم: 14/ 1- 4].
افتتحت هذه السورة بالحروف المقطعة كسورة البقرة وأمثالها للتّنبيه والتّحدي وتذكير العرب بأن هذا القرآن كلام من عند الله، بدليل أنه مكوّن من حروف لغتهم ومادة كلامهم، وهم عاجزون عن الإتيان بمثله.
والقرآن كتاب كريم أنزله الله رب العالمين، على رسوله الأمين، لإخراج الناس من ظلمات الضلال والجهل إلى نور الإيمان الحق والهدى والرشاد، بتوفيق الله وتيسيره وإذنه، وبواسطة الداعية والمبلّغ له، وهو النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم، يبلّغ شريعة الله، ويرشد إلى الطريق القويم، طريق الله القوي الغالب القاهر المدرك، المحمود في جميع أفعاله وأقواله، وشرعه وخبره.
فحقيقة الهداية: إنما هي راجعة لله بالاختراع والإيجاد، والرسول مشارك في التوجيه والإنذار والدعوة إلى سبيل الهداية. وقوله سبحانه عن نبيّه: {لِتُخْرِجَ النَّاسَ} تشريف للنّبي صلّى اللّه عليه وسلّم. وعم النَّاسَ إذ هو مبعوث إلى جميع الخلق والعالم كله، فبعثته عامة للأحمر والأسود، كما ثبت بالتواتر وبآيات كثيرة من القرآن، وبما شاهده الصحابة وآل البيت الكرام.
وكلمة {الظُّلُماتِ} استعارة للكفر، وكلمة {النُّورِ} استعارة للإيمان وطريق طاعة الله ورحمته، على سبيل التشبيه والمماثلة. وكلمة {بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} أي بعلمه وقضائه وتمكينه لهم.
وإنزال القرآن من عند الله العزيز الحميد، وهما صفتان لائقتان في هذا الموضع، للدلالة على قدرة الله، واستيجاب الحمد على نعمة الإنزال على العالم كله، في هدايتهم، ومن أدلة القدرة الإلهية: أنه سبحانه له كل ما في السماوات والأرض خلقا وملكا وعبيدا وتصريفا وتدبيرا، وويل، أي هلاك وعذاب شديد يوم القيامة للكافرين برسالتك أيها النّبي، الذين جحدوا بوحدانية الله. وهذا وعيد وإنذار وتهديد.
ووصف الله تعالى هؤلاء الكافرين الجاحدين بالرسالة النّبوية بصفات ثلاث:
- فهم الذين يحبّون الدنيا ويؤثرونها على الآخرة، ويعملون للدنيا ومتعها فقط.
- وهم الذين يمنعون من اتّباع الرّسل ويعرقلون مسيرة الإيمان بالله والقرآن والنّبي.
- وهم يحبّون أن تكون سبيل الله معوجة مائلة عن الحق، لتوافق أهواءهم.
وسبيل الله: طريقة هداه وشرعه الذي جاء به رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم.
أولئك الجاحدون الموصوفون بتلك الصفات السابقة في ضلال بعيد عن الحق، وفي جهل عميق، لا يرجى منهم عودة إلى الصلاح والفلاح.
وإذا كانت مقاصد القرآن هذه وهي التنوير والهداية، فإن الله يسّر سبيل معرفتها للعرب حاملي رسالة الإسلام لتبليغها للعالم بجعل القرآن بلغتهم العربية لفهمه وإدراك غاياته ومعرفة شرائعه وأحكامه، كما أن من لطف الله وإحسانه أن يرسل كل رسول بلغة قومه، ليقع التّكلم بالبيان والعبارة المفهومة، ثم يكون غير أهل تلك اللغة أتباعا في التبيين لأهل اللسان، وهذه ضرورة متعيّنة إذ لا يعقل كون الكتاب الإلهي بكل لغات العالم.
وبعد هذا البيان وإقامة الحجة على الناس، يكون الناس فريقين: فريق الضّلال لإصراره على الكفر واجتراح السّيئات، وفريق الهداية لمبادرته إلى الإيمان، وتقتصر مهمة الرّسول على التّبليغ والبيان، وأما إيجاد الهداية والوقوع في الضّلال فهو بيد الله، ينفذ فيه سابق قضائه، ويعمل بمقتضى حكمته التي لا تعلّل، ولا يعترض عليها، ولا يفعل الله شيئا إلا بسابق علمه بحال كل إنسان، فيوفّقه للهداية أو يحجبه عنها، وهو سبحانه القوي الذي لا يغلب، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وهو الحكيم في صنعه وأفعاله.
وما أوضح وأحكم قوله تعالى: {وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} أي إن الإرسال للبيان، لا للإضلال أو الإيقاع في المتاهات.
مهمة موسى عليه السلام:
الأنبياء والرّسل عليهم السلام هم الصفوة المختارة، والفئة العليا من البشر، وهم أشدّ الناس إخلاصا لربّهم، وحبّا لأقوامهم، فيحرصون أشد الحرص على هدايتهم، وإنقاذهم وتصحيح عقائدهم وأخلاقهم، وتقويم طبائعهم وتهذيب نفوسهم، فاستحقّوا من الله الرّضوان، وبوّأهم أعلى منازل الجنان. وكان موسى عليه السّلام أحد الخمسة أولي العزم، الذي دأب على إرشاد قومه إلى طريق الحق والاستقامة على طاعة الله، وذكّرهم بنعم الله الكثيرة عليهم ليتّعظوا، وحذّرهم من عاقبة المخالفة والعصيان، وأعلمهم أن منفعة الطاعة تعود عليهم، وأن الله غني عن العالمين. قال الله تعالى واصفا جهود موسى في أداء رسالته:


{وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5) وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (6) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ (7) وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (8)} [إبراهيم: 14/ 5- 8].
هذه لوحة مشرّفة لقافلة الإيمان ومسيرة الحق، يتصدّرها موسى عليه السّلام، موصولة النّسب والمتابعة إلى نبيّنا محمد عليه الصلاة والسلام، فكما أرسل الله نبيّه محمدا بالهدى ودين الحق، وأنزل الله عليه القرآن لإخراج الناس من الظّلمات إلى النّور، كذلك أرسل نبيّه موسى إلى بني إسرائيل بالآيات التّسع لإخراجهم من الظّلمات إلى النّور، داعيا إياهم إلى الخير، والانتقال من دائرة الظّلمة والجهل إلى نور المعرفة والهدى والإيمان الحق.
وذكّرهم ووعظهم بأيام الله، أي وقائعه ونقمه التي أحلّها بالأمم الكافرة الظالمة قبلهم، وبتعديد نعم الله عليهم وعلى غيرهم من أهل طاعة الله، إن في ذلك التذكير لدلائل واضحة على وحدانية الله وقدرته، وبيّنات وعبرا لكل كثير الصبر على الطاعة والبلاء، مؤمن ناظر لنفسه، شكور في حال النعمة والرخاء. والتعبير عن النّعم والنّقم بأيام الله: تعظيم لهذه الكوائن المذكّر بها.
ألحّ موسى عليه السلام على قومه الإسرائيليين أن يتذكروا عظائم النّعم الإلهية عليهم، ونجاتهم من النّقم، حيث أنجاهم من ظلم آل فرعون وما كانوا يذيقونهم من ألوان وآلام العذاب والإذلال، وتكليفهم بالشّاق من الأعمال، وكانوا فوق ذلك يذبّحون أبناءهم المولودين الصّغار، خوفا من ظهور ولد إسرائيلي يكون سببا في تدمير ملك فرعون، بحسب تفسير رؤيا فرعون مصر، وكانوا يتركون الإناث أحياء ذليلات مستضعفات، للمتعة والخدمة والمهانة، وفيما ذكر اختبار عظيم من الله لهؤلاء القوم الأشرار، سواء في حال النقمة، أو في حال النعمة، ليعرف مدى شكر الإنسان منهم ومدى كفره وجحود نعمة الله عليه، كما قال الله تعالى في بيان منهاج اختبار البشر: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ (35)} [الأنبياء: 21/ 35].
وأبان موسى عليه السّلام لقومه منهاج الإله الحق في إمداد البشر بالنّعم، وإرهابهم بالنّقم، وإنذارهم بالعذاب، فلقد أعلم الله علما مقترنا بإنفاذ وقضاء قد سبقه: أنكم يا بني إسرائيل أي وغيركم، لئن شكرتم نعمة الله عليكم ليزيدن لكم النّعم، ويديمها عليكم، ولئن جحدتم النّعم وسترتموها، فلم تؤدّوا حقّها من الشكر، ومقابلتها بالوفاء والطاعة، فإن عقاب الله أليم، شديد التأثير والألم، في الدنيا بزوال النّعم وسلبها عنكم، وفي الآخرة بالعقاب على كفران النعم.
جاء في الحديث الثابت الذي رواه الحاكم عن ثوبان: «إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه».
ثم هدّد موسى قومه ووبّخهم بقوله: إن تجحدوا نعمة الله عليكم أنتم وجميع من في الأرض من الثّقلين: الإنس والجنّ، فإن الله غني عن شكر عباده، وهو المحمود بكل حال، حتى وإن كفر به من كفر، كما قال الله تعالى: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ} [الزّمر: 39/ 7].
وإيراد هاتين الصّفتين لله تعالى: {فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ} اللتين وصف بهما نفسه تبارك وتعالى في آخر الآية: يتضمن بيان عظمة الله تعالى، وتحقير المخاطبين العصاة وتوبيخهم على المخالفة وجحود النّعمة، فالله متّصف بصفة توجب المحامد كلها دائما، كذلك في ذاته، لم يزل ولا يزال، وكفر بعض الناس بإله هذا حاله: غاية التّخلف والخذلان، وإغراق في الضّلال والبعد عن الحق.
بعض ألوان التّذكير بأيام الله:
أغلب الناس لا يكتفون بالأمور النظرية، والتهديدات الشفهية، وإنما يحتاجون إلى الأدلة الحسّية والأمثال الواقعية، والتجارب الفعلية، لذا لم يكتف القرآن الكريم والرّسل المصلحون بتوجيه الإنذارات، وإنما من أجل التصديق بواقعيتها يقينا وحسّا، قرن هذا التوجيه بالتذكير بأيام الله ووقائعه في الانتقام من الأمم الكافرة الظالمة، فقال الله سبحانه مبيّنا خطابه العام لقوم النّبي صلّى اللّه عليه وسلم وسائر الأمم:


{أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللَّهُ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9) قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (10) قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) وَما لَنا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12)} [إبراهيم: 14/ 9- 12].
هذا تذكير بأحوال الأمم السابقة الذين كذبوا بكل وقاحة وجرأة برسالات الرّسل، وتذكير أيضا بدور هؤلاء الرّسل في محاولة إقناع أقوامهم بتوحيد الله وقدرته وسلطانه وتصرّفه في كل شيء، وبحاجة البشر إلى التوكّل على الله والتفويض لمشيئته.
ومفاد هذا التذكير والخطاب العام: ألم يأتكم يا أهل مكة وأمثالكم خير الأقوام السابقين من قبلكم، وهم قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم من الأمم المكذّبة للرّسل، مما لا يحصي عددهم إلا الله عزّ وجلّ. قال ابن عباس: «كان بين زمن موسى وبين زمن نوح قرون ثلاثون لا يعلمهم إلا الله».
جاءت هذه الأقوام رسلهم بالمعجزات والأدلة الواضحة على توحيد الله وصدق رسالاتهم، ولكن هؤلاء الأقوام اغتاظوا من الرسل وعادوهم وبالغوا في تكذيبهم والنفرة منهم، وقالوا للرّسل تعنّتا وعنادا وتبجّحا: إنا كفرنا بما أرسلتم به من الآيات الدالة على صدق رسالتكم.
فقالت لهم رسلهم: أفي وجود الله ووحدانيته شك؟ إن الفطرة والعقل يقرّان بذلك، والواقع والحسّ يؤيّدان هذا، فكيف تشكّون بالله؟ والله هو مبدع السماوات والأرض وخالقهما على غير مثال سابق.
والله تعالى عدا كونه خالقا موجدا هو كامل الرحمة، يدعوكم إلى الإيمان الكامل به، من أجل أن يغفر لكم في الآخرة ذنوبكم، ويؤجّلكم في حياتكم إلى وقت محدد في علم الله تعالى، وهو منتهى العمر، إن آمنتم، وإلا عاجلكم بالهلاك والعذاب على كفركم، فردّ الأقوام على رسلهم بردود وشبهات ثلاث وهي:
1- ما أنتم أيها الرّسل إلا بشر مثلنا في البشرية، ولا فضل لكم علينا، فلم تختصون بالنّبوة دوننا؟ وفي هذا استبعاد لبعثة البشر.
2- وأنتم أيها الرّسل تريدون أن نترك ما وجدنا عليه آباءنا، بهذه الدعوة غير الصحيحة.
3- فأتونا بسلطان مبين، أي بحجة واضحة ظاهرة على صدق نبوّتكم، فنحن لا نؤمن إلا بالحسّيات.
فأجابهم الرّسل: لسنا نحن إلا بشر مثلكم، نأكل ونشرب ونمشي في الأسواق، واختصاصنا بالنّبوة أمر متروك لله يتفضّل بها على من يشاء من عباده، وتقليدكم للآباء لا يتفق مع العقل والكرامة الإنسانية، ولا نستطيع الإتيان بمعجزة أو دليل حسّي لإثبات نبوّتنا إلا بإذن الله وإرادته ومشيئته، وعلى جميع المؤمنين الاتّكال على الله في كل أمورهم، لدفع الشّر أو جلب الخير أو الصبر على العداوة.
وكيف لا نتوكّل على الله نحن معاشر المؤمنين؟! وقد هدانا إلى سبل المعرفة والحق والخير والرشاد، ولنصبرن على ألوان أذاكم لنا بالقول أو بالفعل، وليستمرّ المؤمنون، ويثبتوا على توكّلهم على الله، وليثقوا به، وليتحملوا كل أذى في سبيل مرضاته، ففي ذلك الخير كله والنّجاة الأبدية في عالم الآخرة.
تهديد الأقوام لرسلهم:
لقد تعرّض الرّسل الكرام في التاريخ من أقوامهم المرسلين إليهم لأسوإ أنواع المعاملة، وأقسى الكلام، والتهديد بالطرد أو الإبعاد من البلاد أو الإعادة إلى الوثنية الموروثة والجاهلية الفوضوية، معتمدين في هذا التهديد على مالهم من قوة وسلطان ونفوذ، إما بسبب الكثرة العددية والأتباع أو الثروة والمال، أو الجاه والظلم الطبقي، ويستغلون ضعف الدّعاة إلى الله وقلّة أتباعهم، إلا أن العبرة بالنتائج، ففي نهاية الأمر تكون الغلبة والتفوق والنصر لأهل الحق والإيمان، والهزيمة والمذلّة لأهل الكفر والباطل والضلال. وهذه صورة الفريقين في القرآن الكريم:

1 | 2 | 3 | 4